في زاوية غرفتها المعتمة ..تدور و تدور على كرسيها الجلدي .. صمت تام لا يشوبه إلا صوت أقدامها تصطدم حينا بأثاث غرفتها و أحيانا أخرى بألعابها المتناثرة في كل مكان ..
شعرت بهواء بارد يتسرب عبر نافذتها المواربة .. لم تدرك أن الرياح تحمل لها أكثر من البرودة و الهواء الرطب إلا حين شعرت به .. شيئ ما يلتف حولها .. يتراقص على شرايين يديها المتعبة .. و يقبل بنانها ليبعث في داخلها دفئا اشتاقت له منذ زمن
أغمضت عينيها .. تريد أن تتذوق المزيد من ذلك الشعور الغريب .. تحاول أن تدرك سر الابتسامة التي ترتسم على شفتيها دون إذن منها ..
استمر دورانها .. و لكن بسرعة أكبر و قوة أكثر .. شعرت بأنها هوت مرات و مرات و في كل مرة كانت الريح تحملها نحو كرسيها مرة أخرى وسط ضحك أطفال صغار يأتي من لا مكان ليغزو أذنيها و يعيد إليها القدرة على الاستمتاع بأبسط الاشياء و أكثرها براءة
كرسيها يصدر أزيزا بسيطا يطغى عليه صوت نقرات المطر تطرق على الشبابيك و على سقفها القرميدي المتداعي .. و قلبها يرقص على أصوات انهماره بكل جموح و قوة.
فجأة .. سكن كل شيء .. لا مطر و لا رياح .. فتحت عينيها فإذا بها وسط هالة نارية متقدة .. أطرافها متجمدة من البرد .. و دموعها بلورات شفافه تغطي وجنتها الوردية الذابلة .. أدركت حينها أن الحلم موشك على الانتهاء ..
جرت سريعا نحو الباب تريد أن تفتحه فلم تجد المفتاح .. طرقت طويلا عل أحدا ما يمر و يفك أسرها دون فائدة .. شعرت بالضعف و الهوان .. و بدأ جسدها ينزلق خلف الباب الموصد لتصطدم ذراعها بقبضة الباب و يفتح دون أدنى معاناة .. أصدرت ضحكة ساخرة .. و نطقت بكلمة واحدة لترددها عدة مرات ... " غبية "
الإطلالة كانت غامضة .. لا زال ستار الليل يغطي المكان .. و الأشجار تصرخ عارية فيما يغسلها المطر بقوة و تهزها الرياح دون رحمة .. و ذلك الطريق الحجري الطويل .. محطم في أركانه .. ممتد إلى ما لا نهاية .. نحو نور خافت .. يكاد يكون سرابا